كتب الدكتور أبو يعرب المرزوقي تدوينة رائعة تحت عنوان “أحفاد الصبايحية والحركيين” لنتركم مع نص التدوينة:
رسالة إلى ميكرون وأحفاد الصبايحية والحركيين – أبو يعرب المرزوقي
تونس الأول من سبتمبر
لعل الكثير لا يفهم علة الخوف الذي سيطر على ميكرون وكل المسؤولين الفرنسيين مما يجري في أفغانستان. ولعلّ الكثير ينسى أن آخر من حاول مقاومة الانتصار هو ابن أحد عملاء فرنسا في بنشير وقد قضى على أبيه شابان تونسيان.
وقد حاولت فرنسا مرة أخرى استغلال ابنه في بانشير لكنها فشلت كما حاولت العودة للعراق في اللقاء الأخير لكنها فشلت. وحاولت تبييض نظام الملالي وعميلهم في لبنان وستفشل. واليوم من صار لها بالمرصاد لم يبق الرجل المريض بل هي التي صارت الأمة المريضة في أوروبا.
فرنسا باتت تعلم أن بقاءها في المغرب الكبير خاصة وفي كل أفريقيا عامّة أيّامه معدودة لأنّ النهاية بدأت من ليبيا التي طردت منها شرّ طردة تماما كما طردت جيوش حرب الاسترداد في القرن السادس عشر.
فرنسا تعلم أن معركة التحرر التي وقفت ضدها -موقفها من الربيع- وما تزال حليفة للثورة العربية المضادة أي إمارة البنغال وممكلة المنشار ومهزلة البلحة قد وصلت في تونس والجزائر خاصة إلى الوصل بينها وبين استئناف المعركة التي تستكمل التحرير.
والعلامة سجن أبطال الائتلاف والغدر بأبطال الحراك في الجزائر الحائلين دون تحويله إلى حرب أهلية عرقية وطائفية: فهذه المعركة دالة على أن فرنسا فهمت الرهان.
فأدركت أن المآل هو ما تراه في أفغانستان: سيكون الجلاء هذه المرة مطلقا تماما كالذي رأيناه في مطار كابول لبقاياها وحثالتها من الصبايحية والحركيين.
إلى حد الآن كتبت عدة محاولات على ما جرى في أفغانستان بوصفي معلقا على الوصل بين الحدث الحاضر والغائب فيه أي الحديث الذي يضفي عليه المعنى الدال على دوره في الاستئناف الإسلامي.
أما اليوم فسأكتب بوصفي من أحفاد المقاومين متوجها إلى آخر ما بقي من الصبايحية والحركيين في المغرب الكبير لأعلمهم أن فرنسا لم يبق لها إلا تسع سنوات ليغلق احتلالها قرنين.
لكنه لن يتمهما سينتهي نهاية أمريكا في أفغانستان مع تدلي هذه الحثالة في بواخر جلائها وطائراتها. وأذكر بأني من أبناء المجاهدين ولا فخر:
فجدي للأم شهيد مقاومة فرنسا لما دخلت عن طريق الجزائر.
وأبي جند رغم أنفه في الحرب العالمية الأولى لحماية فرنسا.
وأختي
وخالي
وابن عمي
شهداء الحرب العالمية الثانية
لما حوصرنا في أرضنا في الحرب العالمية الثانية بين جيش أمريكا وألمانيا بعد هزيمة فرنسا
وابن خالتي في حرب الجلاء من بنزرت.
لست مقاوما بالسلاح لأني لم أحصل على التكوين الضروري ولم أكن من ضحايا معركة بنرزت التي كدت أكون واحدا منها لأن جارنا كان فرنسيا عاملا في دار الصناعة واستعمل السلاح لضربنا فلم يصب أحدا منا.
لكني مقاوم بما اعتبر نفسي قادرا عليه: فمنذ أن دخلت إلى دار المعلمين العليا نذرت حياتي لأول مشروع حاولت تأسيسه مع ثلة من الزملاء: مقاومة الاستعمار الثقافي بشرط الاستقلال الفكري في مجال اختصاصنا أعني التحرر من فهم الانفتاح على الحداثة من البوابة الفرنسية.
فهمنا أن الانفتاج من البواب الفرنسية انغلاق على اليعقوبية والماركسية اللتين كانتا لسان العلن ومن ورائهما السعي لكثلثة النخب النخب الأمر الذي كان جليا في الجزائر بمحاولة فصل القبائل وفي تونس بالمؤتر الافخارستي.
ونحن في بنزرت أدرى الناس بدور الاستعمار الفرنسي. فالمدينة التي أسكن فيها بعد أن ذهبت إلى المدرسة الفرنسية ثلثا سكانها من الفرنسيين فيريفيل التي صارت تسمى منزل بورقيبة. والقرية التي أسكن فيها لم يكن فيها من العرب إلى أقل من واحد في المائة.
لذلك فقد كانت شديد الوعي بمعنى الاستعمار الثقافي ليس في مستوى النخب فحسب بل خاصة في مستوى العامة: فما ترونه من عادات الحانات وما يترتب عليها في العاصمة بعد الواحدة زوالا كل يوم هو الظاهرة الأشد حضورا في المدينة.
ما أريد قوله في هذه الرسالة لما بقي من الصبايحية في تونس ومن الحركيين في الجزائر هو دعوتهم لقراءة الحدث جيدا: فلا تضيعوا الفرصة التي ما زالت متوفرة لأن الدمية في تونس وأمثاله في الجزائر مآلهم أكثر من مآل من رأينا في مطار كابول.
الشعب المغربي من ليبيا إلى موريتانيا لن يمكن فرنسا من إتمام القرنين: تسع سنوات لن تتمها فرنسا في قلب المغرب الكبير -الجزائر-لن تتم القرنين في مغربنا: أحفاد المجاهدين عادوا وقد تجهزوا بالجمع بين تيد الأصالة وسديد الحداثة المستقلة.
أما بقايا الصبايحية والحركيين فهم لم يرثوا من الاصالة إلى شوائب الانحطاط التي جعلت الاستعمار الفرنسي يكون ممكنا وخبائث الحداثة التي وصفت والتي نراها يوميا في الحانات وما حولها وعند خريجي ثرثرة المقاهي مثل المنيهلة وتخريف الكتابين الاخضر والاحمر.
