هذا ماكتبه الشيخ العلامة الصادق الغرياني إلى حاكم الإمارات
هذا ماكتبه الشيخ العلامة الصادق الغرياني إلى حاكم الإمارات
قبل حوالي سنتين كتب الشيخ العلامة فخر علماء المالكية في هذا العصر الصادق الغرياني مفتي ليبيا رسالة مناصحة إلى حكام الإمارات يناصحهم فيها ويخوفهم الله ويناشدهم أن يكفوا جرائمهم عن ليبيا وأهلها، فكان جزاء نصحه أن وضعوا اسمه في قائمة الإرهاب .
وهذه رسالة الشيخ الجليل حفظه الله من كل سوء
بسْمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ
(خِطاب مفتوح؛ من مفتي عام ليبيا إلى الشيخ خليفة بن زايد، حاكم دولة الإمارات)
بعدَ حمدِ الله، والصلاة على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وآله:
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
فقد صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم، مِن حديث تميمٍ الداري رضي الله عنه، أنّه قال: (الدِّينُ النّصيحةُ، قالوا: لِمن يا رسولَ الله؟ قال: للهِ ولكتابِهِ ولرسولِه ولِأئِمّة المسلمينَ وعامّتِهم).
وإني لكَ ولإخوانِك من حكام الإمارات لناصِحٌ، وعليكم لحريص، عسى اللهُ تعالى أن ينفعَك بمَا تسمَع، (والذكرى تنفع المؤمنين).
إنّ غرفَةَ العملياتِ التِي تُدارُ في دولةِ الإماراتِ، ضدَّ شعبِ ليبيا وأمْنهِ واستقرارِهِ، لأمرٌ عجبٌ، يذيقونَه مِن خِلالِها ويلاتٍ مِن صنوفِ البلاءِ، الذي لا يخطرُ بالبالِ.
اعتقالٌ لمواطنينَ ليبيينَ في سجونِ الإماراتِ، منذُ أكثر مِن عام، يُسامُونَ سوءَ العذابِ، تهمتُهم الوحيدةُ أنهم قالُوا ربّنا اللهُ، ودعمُهم للثورةِ التي أطاحتْ بنظامِ القذافِي الظلوم الغَشومِ!
نُعرِّفهُم لكم – ولِمن لا يعرفُهم – هم مواطنُونَ ليبيون تُجّار، ليسُوا سياسِيينَ، ولا عمِلوا في حكوماتٍ قَط، ورِثوا التجارَةَ أبًا عن جدٍّ، ليسَ بينهم وبينَ الإماراتِ ثأرٌ ولا عَداوةٌ!
عُرفوا بتحرِّي الحلالِ في تجاراتهم، وبالفضلِ والاستقامة في دينهم، أيادِيهم بيضاء، سخية بالبرّ والمعروفِ وإغاثةِ الملهوفِ، وتنفيسِ كربةِ المكروبِ والمحرومِ.
جعلُوا مِن دولةِ الإماراتِ مركزًا لتجاراتِهم وأموالِهم؛ فكوفِئوا مِن غُرفة الإماراتِ، كأسوأِ مَا يكونُ الجزاءُ؛ معتقلاتُ تعذيبٍ، وصلبٌ على الرؤوسِ، وقهرٌ وظلمٌ وإذلال.
هذه الغرفةُ المشؤومةُ في دولةِ الإمارات، تُدارُ مِن أجهزةِ مخابراتِها، بتعاونٍ معَ مخابراتٍ أخرَى عدوّةٍ، ومِنْ نَفَرٍ مِن أبناءِ جلدتِنا، يقيمونَ بين ظهرانَيْكم، اتفقُوا معهُم فِي الأهدافِ والغاياتِ.
قصفتْ مِن خِلالِها الإماراتُ داخلَ ليبيا بطَائِراتِها عدةَ مراتٍ، فذهبَ قصفُها بعشراتِ الأبرياءِ مِن الأرواحِ، ومدّت الانقلابيين في ليبيا والبغاةَ بالسلاحِ الثقيلِ، والذخائرِ والمعداتِ، وأنفقَت مِن أموالِ الشعبِ الإماراتي المليارات، في سبيلِ ألَّا تستقرَّ ليبيا، ولا تُحقَن فيها الدماءُ، ولا ترتاح.
حتّى المبعوثُ الأممي السابقُ لليبيا مشبوهٌ بتلطخِ يدِه بهذه الأموال، ليكتبَ في مسوداتِه المتعاقبة للتوافق الليبي إملاءاتِهم، في فضيحةٍ لا أخلاقيةٍ، تناولتْها الصحفُ العالميةُ، وعرَّضَت المبعوثَ للمساءلةِ مِن الهيئةِ الأمميةِ التِي يتبعُها.
فقد كانَ المبعوث حسب التسريب الذي نقل عنه يُنفِّذُ هذه الإملاءاتِ؛ يفرِّق في ليبيا الصفوفَ، ويزوِّرُ الكلامَ، ويُلبّس الحقائقَ، ويغرِي بالوعودِ، ويستغفلُ الأطرافَ، ويجمعُ المعلوماتِ، ويصرِفُ على كلِّ هذه الدسائسِ في تنقلاتِهِ مِن أموالِ الشعبِ الليبيّ، في الوقتِ الذي كانَ يمهدُ لقبضِ ثمنِ الصفقةِ الكبرى مِن دولةِ الإماراتِ، على وظيفةٍ بمرتبٍ مشبوهٍ، يصلُ إلى ألفِ جنيهٍ استرلينيّ في اليومِ الواحدِ!
والعجيبُ مِن موقفِ دولة الإماراتِ مِن الحوار الليبي؛ أنّه عندَما التقَى الطرفانِ المتنازعانِ في ليبيا؛ المؤتمرُ والبرلمانُ، اللذانِ عجزَ المبعوثُ السابقُ طولَ وساطاتِه أن يجمعَهُم في غرفةٍ واحدةٍ، وعَزَمَا على التوافقِ دونَ تدخلٍ خارجيٍّ، خرجَ مسؤولٌ مِن وزارةِ خارجيةِ حكومةِ الإمارات – بدلَ أن يرحبَ ويباركَ الاتفاقَ، اعترضَ وغضبَ، وزعمَ أنّ الاتفاقَ في ليبيا لا يمكنُ أن يكونَ إلّا مِن خلالِ المُسوداتِ المشبوهة.
وتسألُ عن سببٍ يجعلُ المسؤولَ الإماراتيّ يسوؤُهُ أن تتآلفَ قلوبُ الليبيينَ، وما مصلحةُ دولتِه في ذلكَ، فلا تجدُ مِن سببٍ – ربما – سوَى الكُرهِ لتآلفِ القلوبِ!!
هذا بعضُ ما تُحيكُه غرفةُ الإماراتِ للشعبِ الليبيّ.
فلمَ هذا كلُّه؟!
بلدٌ لم تُسئْ إليكُم يومًا، بل كانتْ تربطُها بمؤسّسِ دولتكُم، الشيخُ زايِد رحمَه الله تعالى، علاقاتٌ حميمةٌ، وقد اتخذَ تُجارُها بلدَكم مركزًا لإدارةِ أموالِهم وأعمالهم، أليسَ ما تفعلُه بهم دولة الإمارات ظلماً بيِّناً؟
هل لِما يُدَبّرُ لهم، اسمٌ غيرُ المكرِ والبَغيِ؟!
يا عقلاءَ القومِ؛
أدركُوا أمرَكم قبل فوات الأوان، فإنّي لأخشَى عليكُم سوءَ العاقبةِ، فسنةُ الله تعالَى في الظالمينَ واحدةٌ؛ لا تتبدّلُ، ولا تتغيَّرُ، (سُنّةَ الله في الذين خَلَوْا مِن قَبْل ولن تَجِد لِسُنّةِ الله تَبْدِيلاً).
الظلمُ ظلماتٌ، مرتَعُهُ وخيمٌ، وويلاتُهُ لا تُطاقُ، ينزعُ الملكَ انتزاعًا، ويتركُ ديارَهُ بلاقِعَ، خاويةَ العُروشِ هالكَةً، لا تَغرنَّكُم الأموالُ والحُكمُ والسلطانُ، وتطمين البِطانة والحواشِي والأصحابِ، وطاعةُ الأوامرِ والخُدَّام، ولا العيشةُ الهانئة الراضيةُ، فإنّ الأيامَ غُيَّرٌ خادعةٌ، (فلا تغُرَّنّكم الحياةُ الدنيا، ولا يَغُرنّكم باللهِ الغرور)، وقد قال اللهُ عز وجلّ عمّن غرَّهم ملكُهُم وسلطانُهم مِن قَبْلُ: (سَنَسْتَدْرِجُهمْ مِن حَيثُ لَا يعْلَمُونَ)، (ونمُدّهُم فِي طُغيانِهِم يَعْمَهونَ)، (إنَّمَا نُملِي لهُم لِيزْدَادُوا إثْمًا).
فاللهُ تعالَى يُملِي للظالِم، يمدُّ لهُ في الأملِ، ويُرخِي له فِي الطَّولِ؛ حتّى إذا أخذَهُ لَم يُفلتْه.
فاتعظُوا بسوءِ عاقبةِ مَن ظَلَمَ ومَكَرَ، والمكرُ السيّئُ لَا يحِيقُ إلّا بأهلِه! (يَا أيُّها النّاسُ إنَّمَا بَغيُكُم علَى أنفُسِكُمْ).
واعتبِرُوا بفعلِ اللهِ تعالَى في الأوّلين، وكانُوا أكثرَ وأشدَّ قوةً، قالَ تعالَى: (ومَكرُوا مَكرًا ومَكَرنَا مَكرًا وهُم لَا يَشعُرونَ فانظُرْ كيفَ كانَ عاقبةُ مكرِهِم إنَّا دَمّرنَاهُمْ وقَومَهُم أَجْمعِينَ فتِلكَ بيُوتُهمْ خَاويةً بمَا ظَلَمُوا).
(وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد)، (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا)، (فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا)، (وَتِلْكَ الْقُرَىٰ أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا).
ولا يَخفَى عليكُم، أنّ الأبرياءَ الذينَ يُعذبونَ في سُجونِ الإمارات ظُلمًا، والأبرياءَ الذينَ أصابتهُم ويلاتُ دولتكم داخلَ ليبيا، بسببِ أموالِها وسلاحِها ومخابراتِها؛ – اعلَمُوا أنَّ لهم أمهاتٍ وآباء وأرحامًا وفلذاتِ أكبادٍ، يَرفَعونَ أكفَّهم إلَى السماءِ، يدعونَه دعاءَ المضطَر الذي لاحول له، في الأسحارِ والخَلواتِ والصلواتِ، يستنزِلُون للظالمين غضبَ قيّومِ السماواتِ، فقد أقسمَ الربُّ العظيم بعزَّتِه – وهو غنيٌّ عنِ القسَمِ – تخويفًا وترهيبًا للظالمينَ، فقالَ في عليائِه عن دعوةِ المظلومِ: (وعِزتِي وجَلالِي لأنصُرنَّك ولَو بعدَ حِين)، وأخبر عليه الصلاة والسلام أنه ليس بينها وبين الله حجاب.
واللهِ إنّي لَأَرَى هذا القَسَمَ مِن الجبّارِ نازلًا بالظالمين منكم، إنْ لم يتوبُوا ويكفُّوا عنَّا ظُلمهم، وينصفوا شعبا في ليبيا بأكمله ظلموه.
واللهُ المُستعانُ، والسلام
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
29 صفر 1437 هـ
الموافق 11 ديسمبر 20155 م
كتبه : يعقوب ولد المختار